منوعات

بقلم وزير المالية الاردني الأسبق د محمد ابو حمور .. ديمومة القطاع الصناعي وتوليد فرص العمل

بقلم وزير المالية الاردني الأسبق د محمد ابو حمور ..

ديمومة القطاع الصناعي وتوليد فرص العمل

يشكل القطاع الصناعي احدى الركائز الأساسية للاقتصاد الوطني ويساهم بشكل فاعل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية عبر توفيره لفرص عمل مستدامة حيث يقدر عدد العاملين في القطاع الصناعي في الوقت الراهن بحوالي 268 ألف عامل، أي ما يعادل أكثر من 20% من القوى العاملة في الأردن.

كما يؤدي القطاع الصناعي دوراً محورياً في توليد القيمة المضافة للاقتصاد سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر عبر تنشيط وتشغيل قطاعات اقتصادية أخرى، ومنتجات هذا القطاع هي المكون الأساس للصادرات الأردنية وتشكل حوالي 90% منها، ما يعني انها تشكل مصدراً أساسياً للعملات الأجنبية، علماً بان هذه الصادرات تصل الى 148 سوقاً، أي ما يزيد عن مليار ونصف مستهلك.

وحققت الصادرات نمواً لافتاً خلال القرن الحالي، حيث بلغت اكثر من 8 مليار دينار في عام 2023، مقارنة بما لا يتجاوز المليار الواحد أواخر القرن الماضي، إضافة لذلك فالقطاع الصناعي عامل استقطاب للاستثمارات المحلية والأجنبية على حد سواء، فحجم الاستثمار الصناعي يصل لما يقارب 15 مليار دينار، ويبلغ حجم رأس المال المسجل لمنشآت القطاع أكثر من 4.5 مليار دينار، موزعة على مختلف مؤسساته الصناعية والحرفية التي يبلغ عددها أكثر من 18 ألف منشأة في مختلف المحافظات الأردنية.

يواجه القطاع الصناعي اليوم عددا من التحديات المستجدة بفعل الأوضاع الإقليمية والاضطرابات الجيوسياسية وأخرى نتجت عن تراكم بعض الإجراءات والسياسات غير الملائمة، الا أن الوعي بالدور الريادي الذي يؤديه القطاع الصناعي في تحفيز النمو وتوليد فرص العمل يتطلب العمل على تذليل ومواجهة العقبات التي تحد من إمكانيات توسعه وتوفير الممكنات اللازمة لتعزيز تنافسيته.

ومن أهم التحديات التي تواجه القطاع الصناعي تبرز كلف الإنتاج بما في ذلك كلفة الطاقة والنقل وبعض مدخلات الإنتاج التي لا زالت تخضع للضرائب والرسوم، يضاف لذلك كلفة التمويل وامكانيات توفيره، كما تعاني بعض الصناعات من عدم توفر الكفاءات والكوادر المهنية، ولا بد هنا أن نشير الى المنافسة غير العادلة التي تتعرض لها المنتجات الأردنية من بعض الدول المجاورة نتيجة لانخفاض أسعار الطاقة أو لتبني معيقات إجرائية وفنية تؤثر على انسياب السلع الأردنية لتلك الأسواق.

وينبغي أن نشير الى أن التغلب على هذه المعيقات يتطلب تعاون مختلف الجهات ذات العلاقة، فمن جانب لا بد من الاستمرار في تحسين بيئة الاعمال وتقليص العوائق البيروقراطية، والاهتمام بتحسين نوعية وجودة الاستثمارات وقدرتها على المنافسة وتعزيز الاهتمام بالبحث والتطوير والابتكار، وزيادة حصة المنتج الأردني في السوق المحلي، ومواصلة تنمية الصادرات عبر البرامج التحفيزية والمشاركة في المعارض الخارجية وفتح أسواق جديدة.

الإصلاحات الاقتصادية التي استطاع الأردن تحقيقها خلال العقدين ونص الماضية الماضية والاتفاقيات التجارية التي تم ابرامها مع العديد من الدول والكتل الاقتصادية شكلت قاعدة صلبة لنمو الاقتصاد بمختلف قطاعاته وأتاحت الفرصة للقطاع الصناعي لتعزيز قدرته على المنافسة وإمكانية الوصول للأسواق العالمية الرئيسية والتأكيد على أهمية القطاع الخاص ودوره المحوري في استحداث فرص العمل.

كما أن رؤية التحديث الاقتصادي تضمنت العديد من المبادرات التي تتيح جذب مزيد من الاستثمارات وزيادة الصادرات وتوليد فرص عمل إضافية وصولا الى تحسين مستوى معيشة المواطنين، ونحن اليوم أمام مهمة مفصلية تتمثل في مواصلة ترجمة هذه الأولويات والتوجهات الى إجراءات وسياسات واضحة تتيح تحقيق الأهداف والتطلعات، مع الحرص على تكامل السياسات الاقتصادية المالية والنقدية والاستثمارية والتجارية لتصب في مصلحة تنمية الاقتصاد الوطني بمختلف قطاعاته وفق نموذج تكاملي يستند الى شراكة حقيقية وفاعلة بين القطاعين العام والخاص ويترسخ عبر النهوض بأداء القطاع العام وتحديثه بما يتوافق مع مجمل هذه السياسات والإجراءات.